رسائل مؤجلة

 "رسائل مؤجلة"

التاريخ: الثامن مِنْ كانون الثاني


إلى؛

سيدة الدُّنيا وأفضل مَنْ تتعاطى الحُب: 


أما قبل؛ 

رسالةٌ منكِ قادرة على تخفيف توجسي، لا تبخلي عليّ بدموعكِ على الورق الأصم. 


أما بعد؛ 

أنا أعاني.

أعاني مني أنا ومِنْ الوقت الذي يمرُّ ولا أرى انعكاس نفسي في مرآة ذاتي، حزينُ ومضطرب، ينامُ جسدي لكن عقلي صاحٍ لا يزورهُ ملاكُ النومِ إلا لمامًا. 

يقال: أن مَنْ يتخلى عنه النوم يشقى. هل أنا شقي؟ 


أشعر بالتعب.

مُتعب مِنْ الذكريات التي لا تغادر أرصفة ذاكرتي، تتناثر هناك كالمساكين الذين توعدت البلاد باحتضانهم ولم تفعل. تبدو وكأنها وضعت قبل تأثيث ذاكرتي، أساسًا لكُل شعور يطرأ عليّ، تُعاظم مِنْ الأوجاع، وتحترف وضع الإصبع على الجرح. وأنا متعبُ مِنْ النبش في أطلال الماضي، ومِنْ الجروح التي لم تُدمل بعد. 


أنا مريض

مريضُ النهايات التي لم تتم على أكمل وجه، أعاني مِنْ صداع لماذا وحُمى التساؤلات تجتاحُ عقلي وتهدد بجدبٍ في الشعور.


أنا ضائع.

لا شيء سوى التيه، لا خارطة للعودة، أثار أقدامي محيت عمدًا كأنني مشيت كُل حياتي على وحلٍ يبتلعُ خطواتي إليكِ/إليّ، الطرق كلها نصفُ اتجاه، مساراتي لا تُفضي لشيء، والشوارع تئن إثر خطواتي فوقها، أحسُّ بوجعها، تململها، فأبكي. 

لكن هل يخفف البكاء مِنْ حجم المأساة؟ 


أنا خائف.

خائفُ مِنْ الغد، مِنْ أنْ تتورط أفعالي في التشبهِ والتنكر أكثر، إنني أخسر بعضي كلما مَر بيّ الوقت، وأتخمني الفراغ. يمتلئ جسدي بآخر لا أعرفهُ، أنا غريبُ عني في هذا الكون المفزع وأشعرُ بالبرد. 


أنا مهزوم.

لا أعلم هل تحتفي الحياةُ بإنتصارها المضنى عليّ؟ أم أنها تتسلى بي كما لو أنني طائرة ورقية تحركها كيفما شاءت. تقذفني بعيدًا، تأخذني المخاوف إلى مرتفعاتِ شاهقة، أختنق، أرتجف، ألتوي، يصاب جسدي بالنحول، أشعر بروحي تخرجُ مِنْ فمي، تقتربُ إلى بارئها، مِنْ ملكوت الله، تبقى شهقة وحيدة مِنْ الوصول، الانعتاق، التحرر مِن سُلطة الجسدي، أقترب حد الإنصهار؛ لكن سرعان ما ترميني بغبار النجوم، تدفعني بعيدًا، ينتفُ جناحي، فأسقط.

وما أوجع السقوط بعد أنْ نعتاد الطيران.

هل يا ترى لهذا أنا عاجز عن فرد يدايّ عند إحتضان أحدهم؟ 


أنا وحيد.

وحيدُ منكِ، عاري أنقب بين أكوام القمامة عن شيءٍ يسترُ فداحتي، ولا شيء إلا الهوامش. 

هل كتب الله الشقاء عليّ؟

أعني ما معنى أنْ تلفظني كل الجهات، إلى أين اذهب بكُل هذا الصراخ الذي يحرق صدري؟ 

أترى يعاقبني الله بإختياركِ بين جميع الاشياء، لذا سد كُل الشوارع إلا الطريق الذي يقود إليه؟ 


أنا أشتاقُ.

إليكِ بطبيعة الحال، أصبو لتوافركِ في إطارٍ لا يهدد وجودي الهزيل في دائرة الحياة التي تنتهز فرصة المسافةِ بيننا فتضيق. لما خلق الله المسافات؟ هذهِ المسافة التي تحشرني في زوايا الألم، تصلبني على بساط الخيبات، تهين تجاربي وتفصل روحي عن جسدي.

وأنا الذي أعتاد معك ارتياد مصاطب الحب في جسدٍ واحد. 


كل ما قد مضى هينُ، استطيع التحامل عليّ والتخلص منه؛ لكن ماذا عنكِ وأنتِ في البعيد تمرحين في غفلتكِ؟ بينما تتوغلين في أنحائي بعنف قبلةُ استرقت عنوةً مِنْ فم الظروف، تخامرين كُلي وتأسرين كُل البقاع. لكن مع كل هذا فأنا أشقى، أتشظى في العدم وأتلاشى ببطء. 


هناك غيمة كحلوى القطن تحملق نحوي، تماثلُكِ كثيرًا.



Comments

Popular Posts