الزهراء

"طوبى مِن الحياةِ بنظرةٍ
تستريحُ بها الشجون
ويعمٌ سلامُ .."



السلامُ عليكِ يا زهراء الجمال؛ أما بعدٌ:

إن الأسماء هي مجردُ وصمة تعلقُ بنا لترمُز إلينا دون سوانا، رغم تشابُهها، إلا أنها تَفي بالغرض –أحياناً– أظن أن زهراء يليقُ بك أكثر من آي شخصٍ آخر، لأن لا شيء يُضاهي صفاء روحي عند رؤيتك.

أنا مأسورٌ، مُتخم، وراغبُ فيك حد التعب. تلاشى صبري وأنا أرمقُ هالةً مِن الحُسنِ تجوبُ سوق الحريّر، للحدّ الذي جعلني أُفكر بأنه سيتم شراؤكِ مِن أحد هؤلاءِ الأٌمراء ظناً مِنهم أنكِ دَرز الدُّنيا وأثمن ما فيها، وانتِ كذلك.

لستُ أملك خياراً سوى أن أشكُر القرد الذي أدخل الحبور في أسبارك، عندما سَرق هو التفاح وأنتِ سرقتني أنا من نفسي. قبل ان تُشهر ابتسامتها تلك. شهقت مِن الهواء وقلبي قليلاً، لتَترُك ليّ الدهشة والضيّق المُضني، غاصت عيناها في أجفانها، أشرعت برأسها إلى الأعلى، منعت ضوء الشمس مِن الوصول إليّ، عدا بعض التي تسللت عبر خُصلاتِها المُبعثرة، لتُصبح كالبثور على وجهي المشدوه بجماليّة المنظر، ارتفع صدرُها، بما فيه من بساتيّن، كإرتفاع المد في البحر، ثُم عادت جَزراً غيّر عابثة بالأنقاض التي خلفتها، وتهدم ما تبقى مني.

"وليس لهذهِ الأرض
التعبةٌ مفازةُ
إلا من رحاب عينيها
وقود حياةٌ
للروحِ أنتِ غذاؤها
ودواءها
للقلبِ أنتِ نِيَّاطهٌ
وللجسد الضعيفُ
خيرُ رفيقُ"

حسناواتِ طَريفة في شدهٍ تام، يتغامزن سِراً عن جمالكِ الآسر، باع صاحب الحِنطة أكثر مِن آي وقتٍ مضى، فقط لأن وشاحكِ أرتمى فيها عرضياً بسبب الرياح، التي كانت تُلاطف خلايا وجهكِ المُشرق، بائعةٌ التَمر المسكينة تدعو لكِ بالحياة الرغيّدة، لأنها باعت ما يكفي ويزيدها لشهرٍ كامل، لم يلحظ أحد أن هنالك زُقاق يقود إلى خارج السوق إلاّ عندما عبرتي به، تلكم الزهور غمرها الندى عندما فتحتِ قنينة عطركِ، أرصفة المدينة تُغطيها السكينة، وتَبدو أكثر بهاءً اليوم، حتى السماء فوق قصر الخليفة زرقاءُ صافية كلون عينيك.

شد إنتباهى العِقد الفضي الذي نال شرف التلذذ بقربك، أكثر مِني، تَمنيتٌ أن أبقى معقوداً هُناك حتى فنائي؛ الذي يبدو قريباً جداً في بعدك عني. الشفاهُ المرسومة بعناية أذهبت عقلي حدّ الثُمالة، حتى رسامُ شهرزاد ترك ألوانهُ وخرج يبحث عنكِ.

"ولكُثر ما ظمئت روحي
عند فراقها
أستجدى الفؤاد من الخيالِ
لقاءُ .."

حدث أن تعثر رجلُ في بركة ماء، وتصادم إثنان كانا يتسابقان في إلقاء نظرة عليك، تطلقت إمرأتان، وشتمتكِ أُخرى، لأن زوجها أوقع قدر الماء، أصابت الحُمى خمسُ فتيات، محمود الأصم مُنذ عشر أعوامٍ تكلم قائلاً "سُبحان الله" ثم عاد إلى حاله.

_صُنعك للدهشة هكذا، ينّمُ على روحكِ الملائكية.

الوقتُ صار شاهقاً لا يَمر بسرعة، أصبحت المدينة في منتصف ساعة رملية، شُلت حركتها تماماً، عندما أطلقتِ جموح شعركِ الفحمي، أسدل على كتف أملس، وضع عليه وشاحُ آخر أبيض يسقط كُل ثانية، تُصلحينهُ مراتٍ ومرات دون جدوى، حتى إستسلم لرُخام جلدكِ، واستقر على حاله آيلاً للسقوط ، كما حالُ قلبي.

"أودُّ إخباركِ أن الأنقاض التي خلفتها فيّ إزاء إبتسامتِك تلك لا تزال مهملة في إنتظار إلتفاتكِ لها."



الأنْدلُس ربيع الأول 897 هجري
ودّاعة بن غازي – إلى صاحبة الأنف البلوري.

Comments

  1. دي لسة م اتخلقت يا كاكا لسة

    ReplyDelete
    Replies
    1. إن الذي سوى فاطمةُ ابنة أشرفِ خلق الله صلَّ الله عليه وسلم، بوسعه أن يخلُق من تِربها زهرة، فأصبر علك تحظى 🖤

      Delete

Post a Comment

Popular Posts